مصر
لمحة تاريخية:
تجمع الناس في وادي النيل ودلتاه منذ أقدم العصور، وما لبثوا أن شكلوا مزارع وتعاونوا فيما بينهم لدرء خطر الفيضان وتنظيم الري، وتحولت هذه المزارع بعد نموها إلى قرى، أصبح بعضها مدناً تعج بالسكان وتتحكم بما حولها، وما لبثت أن نشأت مملكتان مملكة الشمال (في مصر)، ومملكة الجنوب (في شمال مصر).
وقد استطاع ملك الجنوب مينا توحيدهما حوالي عام 3200 ق.م. وأسس مدينة منف (منفيس) عند رأس الدلتا وجعلها عاصمة له.
وقد انقسم التاريخ في مصر إلى أربعة عصور:
1 ـ دور الملكية القديمة: 3200 ـ 2160 ق.م:
وقد تميز هذا العهد ببناء الأهرامات الضخمة (عند الجيزة) بالإضافة إلى قيام الإدارة المنظمة.
2 ـ دور الملكية المتوسطة 2160 ـ 1580 ق.م.
اهتم فراعنتها بتنظيم الري وكانت عاصمتها طيبة. وقد بلغت مصر في عهد هذه الدولة أزهى عصور الرخاء والازدهار الاقتصادي. وقد تمكن الهكسوس من دخول مصر أواخر هذا العهد وحكموها بعدما تسربوا من بلاد الشام وجعلوا عاصمتهم مدينة أفاريس. إلى أن أخرجهم «أحمس» وهو من الجنوب وبدأت بذلك عهد الدولة الحديثة عام 1580 ق.م.
3 ـ دولة الدولة الحديثة: 1580 ـ 1085 ق.م.
وقد توسعت حدود هذه الدولة حتى بلغت إلى نهر الفرات في بلاد الشام تحت قيادة «تحوتمس الثالث».
وفي هذا العهد دخل الفراعنة في حرب طويلة مع الحثيين الذين استغلوا النزاعات الدينية في مصر بعد ثورة «امنحوتب الرابع» أخناتون.
وقد سارع رعمسيس الثاني لمحاربة الحثيين وكانت معركة قادش التي هزم فيها المصريون. وقد استمرت الحرب عدة سنوات إلى أن تم التوصل إلى عقد معاهدة بين الطرفين.
4 ـ عصر الضعف والتدخل الأجنبي 1085 ـ 332 ق.م.
تتالت على مصر ظروف سيئة أضعفت نفوذ الفراعنة فسيطر الكهنة على الحكم فطمع بها جيرانها الليبيون من الغرب، والنوبيون من الجنوب والآشوريون من الشمال الشرقي. ثم وقعت البلاد بيد الفرس، وانتزعها الإسكندر المقدوني، وحكمها من بعده البطالمة الذين صار لهم امبراطورية ضخمة ذات نفوذ مغري في البحر المتوسط.
ثم بدأت روما تبسط نفوذها على مصر تدريجياً، فتدخل بوليوس قيصر، ثم ماركوس انطونيوس في الفصل في النزاع بين كليوباترا وشقيقها. وتم لأكتافيوس (أغسطس فيما بعد) ضم مصر لروما.
مصر ما قبل الفتح الإسلامي:
خضعت مصر للرومان (31 ق.م ـ 641 م) وكانت خلال هذه الفترة مزرعة كبيرة لهم. وقد عمت الثورات والفتن بين اليهود والإغريق في الإسكندرية. ودخلت المسيحية إلى مصر على يد القديس «مرقص». وفي أيام نيرون أثقل الأهالي بالضرائب. أغارت ملكة تدمر زنوبيا على مصر عام 368 م، ثم انسحب جيشها. وفي أيام دقلديانوس انتشرت اضطرابات بسبب اضطهاده للمسيحيين الذين اخذت أعدادهم تزداد بسرعة كبيرة. ولما تولى الإمبراطور قسطنطين جعل المسيحية الديانة الرسمية للدولة. وفي أيام الإمبراطور هرقل توغل الفرس في أملاك الدولة الرومانية، فأغاروا على الإسكندرية عام 617 م، لكنهم ما لبثوا أن انسحبوا منها عام 628م. وعاد الرومان لحكم مصر بيد أن حكمهم لم يطل بسبب وصول الفتح الإسلامي إلى مصر.
العهد الإسلامي:
فتح مصر: أثناء وجود الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب في بلاد الشام بعد تحرير القدس اتفق مع عمرو بن العاص على تحرير مصر من الروم البيزنطيين، فسار الجيش الإسلامي ودخل مدينة العريش وعين شمس، ثم قبل أهل مصر جميعهم الصلح مع المسلمين. وكان عمرو بن العاص قد وجه عبد الله بن حذافة إلى عين شمس فغلب على أرضها وصالح أهل قراها على مثل صلح الفسطاط.
ثم أرسل عمرواً جيشاً إلى الإسكندرية حيث يقيم المقوقس، فاضطر المقوقس لمصالحة المسلمين على أداء الجزية، واستخلف عليها عمرو بن العاص عبد الله بن حذافة وأنشئت مدينة الفسطاط مكان خيمة عمرو حيث بني المسجد الذي ينسب إليه الآن. وأرسل عمرو قوة إلى الصعيد بإمرة عبد الله سعد بن أبي سرح بناء على أوامر الخليفة ففتحها.
وهكذا دانت مصر كلها للخلافة الإسلامية، وبعد فترة وجيزة اعتنق غالبية السكان الدين الإسلامي، وأخذت اللغة العربية تحل تدريجياً مكان اللغتين اليونانية والقبطية وأصبحت ولاية إسلامية في عهد الدولة الأموية وأول العصر العباسي. إذ بعد ذلك نشأت فيها عدة دويلات بدأت بالدولة الطولونية (254 ـ 292 هـ/867 ـ 905 م) التي أسسها أحمد بن طولون أحد حراس الخليفة العباسي المعتصم وتولى الإمارة بعد وفاته ابنه خمارويه، ثم اضطربت أحوال مصر في عهد خلفاء خمارويه وانتشرت الفوضى وبقي الأمر كذلك حتى مجيء الإخشيديين.
الدولة الإخشيدية (323 ـ 358 هـ/936 ـ 971 م): مؤسسها «طغج» وهو من أصل تركي كان يعمل في خدمة الخليفة العباسي عندما ولى إبنه محمد بن طغج على مصر الذي استطاع توطيد مركزه في مصر والشام، فلقبه الخليفة عندئذ بالإخشيد. بعد وفاة محمد بن طغج عام 334 هـ ترك ولدين تحت وصاية كافور الذي كان يعمل في خدمة الإخشيد، فتسلم كافور أمور الدولة كلها. واستطاع أن يحصل من الخليفة العباسي على أمر الولاية على مصر. وقد تعرضت في عهده لغزوات القرامطة، كما استطاع كافور أن يرد عن مصر غزوة قام بها المعز الفاطمي.
بعد وفاة كافور، تسلم الإمارة أحد أحفاده وكان صغيراً، مما سهل الأمر على الفاطميين لدخول مصر والقضاء عليهم عام 358 هـ.
الدولة الفاطمية (297 ـ 567 هـ/909 ـ 1171 م): سميت هذه الدولة بالعبيدية نسبة إلى أول خلفائها عبيد الله المهدي الذي تعاون مع أبي عبد الله الشيعي في نشر دعوتهم السرية المضادة للدولة العباسية، إذ سرعان ما أعلن نفسه خليفة على المسلمين وراح يحارب الدولة العباسية. أهم حكام هذه الدولة المهدي (المؤسس) والقائم والمنصور والمعز لدين الله الذي وسع رقعة بلاده حتى شملت بلاد الشام والحجاز ومصر وأفريقيا ومن أهم أعمال المعز بناءه مدينة القاهرة لتكون عاصمة دولته بعد انتقالهم إليها من المغرب وكذلك على عهده بن جوهر الصقلي جامع الأزهر.
وفي أواخر الدولة الفاطمية ضعف أمر حكامها وتسلم السلطة قواد ووزراء أقوياء فساد الظلم والضعف إلى أن استلم الوزارة في مصر القائد الزنكي سيركوه في عهد الخليفة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين، وخلفه صلاح الدين الأيوبي الذي قضى على الدولة الفاطمية العبيدية.
الدولة الأيوبية (532 ـ 589 هـ/1136 ـ 1193 م): استطاع صلاح الدين الأيوبي أن يعيد الدعاء في خطبة الجمعة للخليفة العباسي، بعدما أقصى آخر خليفة فاطمي عبيدي. وتفرغ الأيوبيون بعد ذلك لمحاربة الصليبين. ويمكن القول أنه يرجع للأيوبيين الفضل في استئصال الخطر الصليبي عن مصر، وتحديد نفوذهم في باقي مناطق بلاد فصلاح الدين الأيوبي وخلفاءه من بعده قد تصدوا لحملتين صليبيتين خطرتين على مصر: حملة دمياط (1219 ـ 1221 م) وحملة لويس (1249 ـ 1250).
المماليك (589 ـ 923 هـ/1250 ـ 1517 م): وصل الحكم إلى المماليك عن طريق شجرة الدر أرملة الملك الصالح نجم الدين أيوب التي حكمت ثمانين يوماً في مصر والشام وتم في عهدها التصدي لحملة لويس التاسع ملك فرنسا وأسره في معركة المنصورة، وحين انتخب أمراء الجند عز الدين أيبك قائداً عاماً للمماليك، تنازلت له عن الملك بعد زواجها منه وينقسم المماليك إلى قسمين: مماليك بحرية ـ مماليك برجية (شراكسة).
ـ المماليك البحرية: أسسوا دولتهم على أنقاض الدولة الأيوبية، أهم سلاطينها الظاهر بيبرس والظاهر قطز وهما اللذان يعود إليهما الفضل في وقف زحف المغول عندما ألحقوا بهم هزيمة منكرة في معركة عين جالوت، وكانت هذه أول معركة يخسر فيها المغول أمام المسلمين.
وجاء بعدهم الناصر قلاوون وابنه الناصر محمد.
ـ المماليك البرجية (الشراكسة): من أهمهم برقوق وقايتباي وقانصوه الغوري وقد كان نفوذ دولة المماليك يتخطى مصر حتى بلاد الشام. ضعف أمر المماليك بسبب تفشي الأمراض والأوبئة وكثرة الفتن والاضطرابات الداخلية كل هذا مهد السبيل لانتصار الجيش العثماني عليهم في معركة مرج دابق قرب حلب عام 1516 م ومقتل قانصوه الغوري في المعركة، تم القضاء على دولتهم نهائياً بعد معركة الريدانية قرب القاهرة عام 1517م. وشنق طومان باي آخر سلاطين المماليك.
وادعى السلطان العثماني سليم الأول أن المتوكل على الله آخر خليفة عباسي قد تنازل له عن الخلافة، وبذلك انتقلت الخلافة إلى العثمانيين.
مصر تحت الحكم العثماني: دخل جيش العثمانيين القاهرة بقيادة السلطان سليم الأول عام 1517 وانتصر على جيش المماليك في معركة الريدانية قرب القاهرة، وتم شنق طومان باي آخر سلاطين المماليك. وقد حكم العثمانيون مصر بواسطة والي تركي يمثل السلطان إلى جانب بعض المماليك لإدارة المقاطعات ومساعدة الوالي. وفي عام 1768 م قامت حركة علي بك الكبير ضد الدولة العثمانية، حيث أعلن استقلاله في مصر، وبسط نفوذه على الحجاز وتحالف مع روسيا التي كانت في حالة حرب مع الدولة العثمانية، ثم اتصل بضاهر العمر صاحب عكا واتفقا على محاربة العثمانيين، فوصلت جيوشهما إلى دمشق، إلا أن قائد جيش علي بك انقلب عليه وقتله، وعاد بالجيش إلى مصر، فكافأه العثمانيون بأن ولوه على مصر فعاد المماليك من جديد إلى حكم مصر.
الحملة الفرنسية على مصر: في 19 أيار 1798 م غادر الأسطول الفرنسي ميناء طولون مصطحباً معه بعض المترجمين والعلماء ومطبعة عربية، ووصل إلى شواطىء الإسكندرية في مصر أول تموز 1798م. ونزل الفرنسيون في خليج أبي قير قرب الإسكندرية ثم احتلها بعد معركة مع أهلها. وقد حاول نابليون اقناع الشعب بأنه جاء متفقاً مع العثمانيين لإنهاء حكم المماليك. ثم اتجه نحو القاهرة وتغلب على المماليك في معركة «أمبابة» ودخل القاهرة في 21 تموز 1798. إلا أن الصعوبات بدأت تواجه حملة نابليون بعد انتصاره على المماليك إذ أقدم الأسطول الإنكليزي بقيادة نلسن على تحطيم الأسطول الفرنسي، ومحاصرة الشواطىء المصرية، مما اضطر الفرنسيين إلى الاعتماد على موارد مصر لتأمين حياتهم مما أدى إلى القيام بعدة ثورات ضد الفرنسيين.
ثورة القاهرة الأولى: تألفت في القاهرة لجان ثورية لحض الناس على الفرنسيين، واتخذت من جامع الأزهر مقراً لها، وعندما تقدم القائد الفرنسي لتهدئة الثوار قتلوه مع جنوده حتى بلغت خسائر الفرنسيين حوالي ألفي قتيل، فأمر نابليون بضرب القاهرة بالمدافع لمدة ثلاثة أيام. بعد ذلك قام نابليون بحملة عسكرية صوب سوريا في 2 شباط 1799 فوصل إلى عكا وحاصرها أكثر من شهرين فاستعصت عليه، وتفشى مرض الطاعون في صفوف الجيش الفرنسي، فاضطر الفرنسيون إلى الانسحاب وعوض عن خيبته في عكا بانتصاره على جيش العثمانيين الذي نقله الأسطول الإنكليزي إلى أبي قير.
ثورة القاهرة الثانية: قرر نابليون العودة إلى فرنسا وسلم قيادة الجيش إلى الجنرال كليبر. الذي وقع على اتفاقية العريش مع الإنكليز للخروج من مصر، إلا إنه رفض التوقيع بحجة عدم ترك الأسلحة للعثمانيين. وقام بمواجهة الجيش العثماني على أبواب القاهرة. فاستغل المصريون خروج كليبر لمواجهة الجيش العثماني وقاموا بثورتهم الكبرى وتزعم هذه الثورة نقيب الأشراف السيد عمر مكرم فكبدوا الفرنسيين خسائر فادحة فضربت القاهرة بالمدافع حتى استسلمت ففرض على السكان ضريبة باهظة، وأثناء المفاوضات مع الثوار اغتيل الجنرال كليبر على يد شاب سوري اسمه «سليمان الحلبي» وذلك في حزيران 1800 فتسلم مينو قيادة الفرنسيين في مصر. وعندما وجد أن الجيوش العثمانية والانكليزية تقترب من مصر، أعاد الموافقة على معاهدة العريش التي تقضي بترك الفرنسيين لأسلحتهم ومغادرتهم مصر على متن سفن إنكليزية.
محمد علي باشا والي مصر: وصل محمد علي إلى مصر مع الفرقة الألبانية في الجيش العثماني الذي جاء لمحاربة الفرنسيين، وأثناء الصراع على السلطة بين المماليك والعثمانيين قتل قائد الفرقة الألبانية فتسلم محمد علي قيادة الفرقة بعده. وأخذ يستغل صراع تلك القوى للوصول إلى الحكم، وقد اعتمد على الشعب وممثليه من العلماء وعلى رأسهم «عمر مكرم وعبد الله الشرقاوي» إذ ذهبا إلى داره وألبساه خلعة الولاية، واشترطا عليه ألا يفعل أمراً إلا بمشورتهما. عند ذلك أصدر السلطان العثماني مرسوماً في 9 تموز 1805 م يعترف فيه بمحمد علي والياً على مصر. أراد محمد علي التخلص من سلطة العلماء والشعب عليه، ففرض ضريبة جديدة عام 1809 فاحتج الشعب وطالب زعماؤه بتنبيه محمد علي، لكن محمد علي استمال الزعماء بالوظائف والمال وأوقع بينهم الفتن، ولم يستطع استمالة عمر مكرم فأبعده إلى دمياط واستفرد بالحكم.
حملة فريزر عام 1807 م: أرسلت إنكلترا إلى مصر حملة عسكرية بقيادة فريزر عام 1807 واعتمدت على تأييد المماليك وقابلت جيش محمد علي في منطقة رشيد قرب الإسكندرية لكن الأهالي فتكوا بها. ولكي تظهر إنكلترا حسن نيتها مع العثمانيين سحبت جيوشها، وظهر محمد علي بصورة البطل.
القضاء على المماليك: لم يبق أمام محمد علي من المنافسين سوى المماليك ففكر بالتخلص منهم، وسنحت له الفرصة عندما طلب منه السلطان العثماني القضاء على الوهابيين، فخاف محمد علي أن يغتنم المماليك فرصة غياب جيشه عن مصر وينقضوا عليه، فأقام وليمة في القلعة بالقاهرة بمناسبة سفر ابنه طوسون إلى الحجاز عام 1811، ودعا إليها زعماء المماليك، وأمر جنوده بقتلهم جميعاً أثناء خروجهم من الباب، كما انتشر الجند بأنحاء المدينة وقتلوا كل من وجدوه من المماليك، فلم ينج منهم إلى القليل.
وهكذا خلا له الوضع ليحكم مصر حكماً فردياً.
حروب محمد علي:
أ ـ حروبه في الجزيرة العربية : 1811 ـ 1818 م: كلف السلطان العثماني محمد علي بالقضاء على حركة الوهابيين في شبه الجزيرة العربية فأرسل ابنه طوسون عام 1811 فاستولى على الحجاز، ثم وصل أخوه إبراهيم الذي دخل إلى الدرعية وهدمها وبعث بالزعيم السعودي عبد الله إلى الآستانة، وبسط نفوذه على شبه جزيرة العرب، فتدخلت إنكلترا وأنزلت قواتها في عدن عام 1839 وأجبرته على سحب قواته من شبه الجزيرة العربية.
ب ـ احتلال السودان 1820 ـ 1823 م: أرسل محمد علي ابنه اسماعيل على رأس حملة عسكرية عام 1820 إلى السودان لاستخراج الذهب والاستعانة بالسودانيين في جيشه. فتح اسماعيل مدينة بربر ثم شندي ثم سنار، إلاّ أن ابنه قتل في إحدى المعارك فأرسل صهره محمد الدفتردار الذي أكمل فتح السودان، غير أن أهداف الحملة لم تتحقق.
جـ ـ حملة محمد علي على بلاد الشام 1831 ـ 1841 م: رغب محمد علي بضم بلاد الشام إلى دولته للاستفادة من خيراتها، فأرسل ابنه إبراهيم باشا على رأس حملة برية وبحرية كبيرة فاستولى على غزة ويافا وعكا، وفتح القدس وطرابلس وبيروت ودخل دمشق دون مقاومة وهزم القوات العثمانية عند بحيرة قطينة قرب حمص. ووصل إبراهيم إلى حدود الأناضول وانتصر على الجيش العثماني في معركة قونية عام 1832 وأصبح طريقه إلى الآستانة مفتوحاً فتدخلت الدول الأوروبية لوضع حد له. فضغطت فرنسا وإنكلترا على السلطان لإيقاف القتال وعقدت معه اتفاقية كوتاهية عام 1833، وفيها منح محمد علي ولاية سوريا وإقليم أضنة. عمل إبراهيم باشا على تحسين الأوضاع في سوريا بشكل عام، إلا أن الشعب قد استاء من الاحتكار المصري للبضاعة السورية فقامت ثورات مختلفة في بعض المدن السورية (دمشق حلب ـ جبال اللاذقية ـ جبل لبنان) وقد قمع إبراهيم باشا هذه الثورات بأساليب عنيفة أما السلطان العثماني فكان ينتظر الفرصة المناسبة للاقتصاص من جيش محمد علي فوجه جيشه لدخول سوريا من جهة الشمال، فجرت بينهما معركة عنتاب عام 1839 انهزم فيها الجيش العثماني، فتدخلت الدول الأوروبية مجدداً وفرضت على السلطان العثماني وعلى محمد علي توقيع اتفاقية لندن عام 1841 م التي نصت على:
ـ منح محمد علي ولاية مصر وراثية وينتقل حكمها إلى أكبر أفراد أسرته سناً.
ـ أن يحكم ولاية عكا مدى حياته.
ـ تسري قوانين الدولة العثمانية على مصر باعتبارها ولاية عثمانية.
ـ يدفع محمد علي للسلطان العثماني غرامة قدرها 400 ألف جنيه
وبذلك خابت آمال محمد علي بتكوين دولة مستقلة تشمل بعض الأقطار العربية.
د ـ خلفاء محمد علي وتنافس الفرنسيين والإنكليز على قناة السويس:
بعد وفاة محمد علي خلفه حفيده عباس بن طوسون الذي كان ميالاً للانكليز منصرفاً إلى اللهو فقتل في قصره في بنها عام 1270 هـ. وخلفه في الحكم عمه محمد سعيد بن محمد علي والذي كان بدوره ميالاً للفرنسيين. وما إن تولى العرش حتى عرض عليه صديقه المهندس «فرديناند دولبس» ابن قنصل فرنسا في الإسكندرية مشروع شق قناة السويس. وقد كانت شروط حفر القناة محجفة بحق المصريين وهي:
ـ تستغل الشركة القناة لمدة 99 سنة من تاريخ إنجازها.
ـ تحفر الشركة ترعة مياه عذبة بين القاهرة ومنطقة القناة تكون هذه الترعة ملكاً لها.ـ تستولي الشركة على جميع الأراضي الموجودة على جانبي القناة والترعة.
بدأت الشركة بالعمل في عام 1859 م وقدمت مصر لها الأراضي اللازمة بلا ثمن، وأرسلت الحكومة العمال الذين أخذوا يحفرون الأرض بوسائل بسيطة، وتعرضوا للأمراض والأوبئة ومات منهم أكثر من مائة وعشرين ألف عامل دفنوا في أرض القناة وكان أكثرهم من الفلاحين الذين أخذت منهم أراضيهم.
أما من الناحية المالية، فقد تحملت مصر القسم الأكبر من نفقات حفر القناة، فكانت تدفع نفقات الدراسات العلمية والبحوث الهندسية، ثم اشترت القسم الأعظم من أسهم الشركة البالغة 400 ألف سهم. وكانت تقدم للشركة بين وقت وآخر مساعدات مالية عندما تدعي الشركة الإفلاس وتتأخر في العمل وخاصة في عهد الخديوي اسماعيل الذي خلف سعيدا.
وما إن تم حفر القناة وافتتاحها للملاحة عام 1869 م ـ 1285 هـ حتى دعا اسماعيل ملوك أوروبا وملكاتها لحضور حفلة الافتتاح التي انفق عليها 1,400,000 جنيه وهو مبلغ يظهر مدى استهتار الخديوي اسماعيل وبذخه حتى اضطر لبيع أسهم الحكومة في شركة القناة إلى إنكلترا بمبلغ زهيد «ثلاثة ملايين جنيه» وتفاقمت الأزمة المالية في مصر ما أدى إلى تدخل أجنبي وفرض لجنة إنكليزية ـ فرنسية بحجة تنظيم مالية مصر. وراحت هذه اللجنة تتدخل في شؤون الحكم. وحين حاول الخديوي إسماعيل عزل هذه اللجنة والإستعانة بالعناصر الوطنية سارعت إنكلترا وفرنسا لدى السلطان لعزله بحجة تبذيره وإسرافه، وتولية ابنه توفيق بدلاً منه عام 1879 م ـ 1297 هـ.